أتمتة العمليات المالية: لا تؤتمت، بل أعد التصميم من جديد

أتمتة العمليات المالية

حين تتعامل الشركات مع ضغوط السوق، والتكاليف المتزايدة، والتقلبات الاقتصادية، فإنها غالبًا ما تبحث عن “أتمتة” كحل سحري. لكن في تجربتي، فإن المشكلة ليست في غياب الأدوات الرقمية… بل في تمسّك المؤسسات بعمليات تقليدية فاسدة، ثم محاولة تجميلها بالأتمتة.

في هذا المقال، لا أقدّم لك وصفة لتطبيق برامج محاسبة. بل أدعوك لإعادة التفكير في جوهر العملية المالية داخل مؤسستك. ليس الهدف أن “تؤتمت” بل أن “تُهندَس من جديد”.

أولا: هل نؤتمت ما لا يستحق البقاء؟

لقد قيل مرارًا: “الأتمتة لعملية غير فعالة، هي الطريقة الأسرع لتضخيم فشلها”.

إذا كانت عملية المطابقة البنكية لديك تتطلب 3 أيام و7 موظفين و10 ملفات إكسل، فإن أتمتتها لا تُقلل الفوضى… بل تجعلها رقمية!
السؤال الصحيح إذًا هو: هل هذه العملية تستحق الأتمتة أصلًا؟ أم أنها بحاجة إلى إعادة تصميم؟

ثانيا: من أين جاء الخلل؟

العمليات المالية في أغلب الشركات العربية نشأت في التسعينات أو قبل ذلك. وتم بناؤها لتخدم:

  • نظام محاسبي يدوي

  • بيئة ورقية

  • مركزية شديدة

  • فرق عمل تفكر بالمحاسبة كتسجيل لا كتحليل

حين جاءت الأنظمة المحاسبية، لم نغيّر في العمق. بل استنسخنا الخطوات نفسها، عبر واجهات رقمية فقط. وهكذا، بقيت الدورة المالية ثقيلة، بطيئة، مكررة، وعرضة للأخطاء.

ثالثا: لا تبدأ بالأدوات… ابدأ بالأسئلة

قبل التفكير في الذكاء الاصطناعي، أو RPA، أو BI، اسأل نفسك:

  • ما الهدف الأساسي من هذه العملية؟

  • هل يمكن حذف هذه الخطوة بالكامل؟

  • هل يمكن تنفيذها بشكل موازي، بدلًا من التسلسلي؟

  • ما هو أبطأ جزء؟ ومن هو الشخص الأكثر احتكاكًا بالخطأ؟

  • ما الذي يضيف قيمة فعلية للعميل أو للإدارة؟

ما تحتاجه هو إعادة اختراع للعملية المالية، ثم تأتي الأتمتة كأداة تنفيذ، لا كغاية بحد ذاتها.

رابعا: خطوات عملية لإعادة هندسة العمليات المالية

1. ابدأ بـ”العملية” لا بالقسم

لا تقل: “نريد أتمتة قسم الحسابات الدائنة”، بل قل: “نريد إعادة تصميم عملية الشراء والدفع”.

اجعل حدود العملية تبدأ من الطلب، وتنتهي بإقفال الفاتورة. وليس من مجرد إدخال بيانات في برنامج ERP.

2. ضع النتيجة النهائية كهدف

لا تقل: “نريد إدخال الفواتير آليًا”، بل قل: “نريد تقليل فترة دورة الدفع من 10 أيام إلى يومين”.

3. ألغِ ما لا يضيف قيمة

في كل عملية مالية، هناك خطوات ونسخ ومراجعات لا تساهم في النتيجة النهائية. لا تخف من حذفها. الأتمتة ليست لتقليد العمليات الورقية، بل لتخليصنا منها.

4. فكّر أفقياً، لا رأسياً

لا تعزل “الفواتير” عن “المدفوعات” عن “الميزانية” عن “التقارير”.
هذه ليست أقسامًا مختلفة… بل هي أجزاء من سلسلة واحدة يجب أن تُصمم ككتلة واحدة.

خامسا: إلى أين تقودنا الأتمتة المالية؟

إذا أعدنا تصميم العملية المالية من جذورها، فإن الأتمتة ستمكننا من:

  1. إلغاء المهام المتكررة بالكامل

    • مثل المطابقة، النسخ، التحقق، إعادة التحقق، البريد اليدوي.

  2. إنتاج تقارير مالية لحظية

    • عبر دمج BI في النظام المالي مباشرة.

  3. التنبيه التلقائي للأخطاء والانحرافات

    • مثل تجاوز السقف المسموح، أو تكرار الفاتورة.

  4. إعادة تعريف دور المحاسب

    • من مجرد مدخل بيانات إلى خبير في التحليل والمخاطر والتخطيط.

سادسا: نماذج واقعية لإعادة التصميم

شركة متوسطة في قطاع التصنيع:

  • كانت عملية الدفع تمر بـ7 أشخاص و4 توقيعات و3 ملفات إكسل.

  • بعد إعادة تصميم العملية:

    • تم حذف 3 خطوات لا تضيف قيمة.

    • تم دمج التوقيع المالي والإداري في نظام موحد.

    • أصبحت دورة الدفع لا تتجاوز يومين، والأخطاء انخفضت 80%.

مؤسسة تعليمية:

  • كانت تطبع تقارير مالية شهرية يدويًا.

  • بعد تطبيق أداة ذكاء أعمال (BI):

    • أصبح المدير المالي يرى الأداء اليومي فورًا.

    • تغيّر الاجتماع المالي من مراجعة أرقام إلى تحليل سيناريوهات مستقبلية.

سابعا: عقبات نفسية وثقافية قبل التقنية

لن يفشل مشروع أتمتة العمليات المالية بسبب الأداة… بل بسبب:

  • مقاومة التغيير من الموظفين.

  • تمسك المدراء بـ”الطريقة القديمة”.

  • الخوف من فقدان السيطرة.

  • غياب القيادة الرقمية من الإدارة العليا.

أعيدها هنا: الأتمتة لا تبدأ بشراء نظام، بل تبدأ بتغيير العقليات.

ثامنا: المقارنة بين “أتمتة العمليات” و”إعادة تصميم العمليات”

الجانب الأتمتة التقليدية إعادة التصميم الجذري
الهدف تسريع الخطوات الحالية تحسين النتائج الجذرية
المسار يحاكي القديم يعيد بناءه من الصفر
دور التقنية أداة تنفيذ أداة تحوّل
التأثير جزئي شامل
التكلفة طويلة الأمد مرتفعة أقل بسبب الكفاءة

تاسعا: كيف تبدأ في مؤسستك؟

  1. شكّل فريقًا داخليًا مستقلًا عن الهيكل الوظيفي.
    لا تجعل العملية مملوكة للإدارة المالية وحدها. أشرك إدارة المشتريات، الموارد البشرية، تقنية المعلومات، الإدارة العليا.

  2. حلّل العمليات الحالية بدقة.
    كم عدد الخطوات؟ من يشارك؟ كم تستغرق؟ أين تتكرر الأخطاء؟

  3. ابدأ بتصميم نموذج مثالي مبني على النتيجة، لا على الخطوات.

  4. اختر الأدوات المناسبة بناءً على التصميم، لا العكس.

  5. اختبر، عدّل، ثم وسّع.
    لا تُطلق التغيير دفعة واحدة. ابدأ بقسم أو عملية واحدة، ثم عمّم.

عاشرًا: أتمتة ذكية… مستقبل مالي أقوى

“لا تقم بأتمتة شيء لا تحتاجه… ألغِه.”

نحن اليوم في لحظة مفصلية. لم تعد الأتمتة ترفًا، ولا تكنولوجيا للعرض فقط.
إنها وسيلة لإعادة هيكلة دور المالية بالكامل:

  • لتصبح أكثر فاعلية،

  • أكثر شفافية،

  • أكثر تنبؤًا،

  • وأقرب لصانع القرار.

خاتمة: من الإدارة المالية… إلى الابتكار المالي

التحوّل يبدأ عندما تتوقف المؤسسة عن استخدام التقنية كأداة تجميل، وتبدأ في استخدامها كقوة تغيير.

عندما تصبح المالية شريكًا استراتيجيًا، لا مركزًا بيروقراطيًا.
عندما يُنظر إلى أتمتة العمليات، لا ككفاءة تشغيلية، بل كرافعة للنمو.

وعندها فقط… تتحول المؤسسة من تقليدية إلى مرنة. ومن متأخرة… إلى رائدة.

MACC

تواصل معنا الآن!

تواصل معنا اليوم لتكتشف كيف يمكن لـ شركة المزن تسريع عملياتك وتحسين الدقة في إنشاء واستخراج القوائم المالية.